أهمية الحديث:
قال ابن دقيق العيد : هذا حديث عظيم اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه؛ لما تضمنه من جمعه علم السنة، فهو كالأم للسُّنة؛ كما سميت الفاتحة " أم القرآن "؛ لما تضمنه من جمعها معاني القرآن(18) .
وسيأتي لهذا مزيدُ بيان في ختام مسرد الفوائد إن شاء الله تعالى .
مفردات الحديث:
"ووضع كفيه على فخذيه": أي فخذي نفسه كهيئة المتأدب. وفي رواية النسائي: "فوضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ".
"فعجبنا له يسأله ويصدقه": أي أصابنا العجب من حاله، وهو يسأل سؤال العارف المحقق المصدق. أو عجبنا لأن سؤاله يدل على جهله بالمسؤول عنه، وتصديقه يدل على علمه به.
"أماراتها": بفتح الهمزة جمع أمارة: وهي العلامة. والمراد علاماتها التي تسبق قيامها.
"أن تلد الأمة ربتها": أي سيدتها. وسيأتي بيانه (انظر الفائدة رقم 35).
"العالة": جمع عائل، وهو الفقير.
"فلبثتُ ملياً": انتظرتُ وقتاً طويلاً (18أ).
فوائد الحديث :
(1) الإيمان قول وعمل ونيّة . فهو قول باللسان ، وتصديق بالجَنَان (اعتقاد جازم بالقلب) ، وعمل بالأركان (يعني الجوارح ) ، وهذه كلها اشتمل عليها هذا الحديث .
(2) وجاء في بعض روايات هذا الحديث(18ب) في أوله :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو , فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه , قال : فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه ".
استنبط منه الإمام القرطبي استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه .
(3) وفيه إجابة السائل بأكثر مما سأل .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجاب السائل عن الساعة ؟ بجواب جامع " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " لم يكتف بذلك وإنما زاده أن بين له بعض أماراتها ، فقال " وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الأَمَةُ رَبَّتهَا ، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ ، فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ "، ثُمَّ تَلا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ }الآيَةَ .
وحديث عمر هذا يرويه عنه ولدُهُ عبدُ الله : فعن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال حدثني أبي عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل .... فذكر الحديث (17أ) .
ولقد تضمن الجواب زيادة على السؤال للاهتمام بذلك إرشادا للأمة لما يترتب على معرفة ذلك من المصلحة .
أنت ترى أنهم سألوه عن علم الله ، وعن القَدَرِ ؟ فكان يكفيه أن يبيّن لهم معنى الإيمان ، وأن القَدَرَ من الإيمان . لكنه أخبره عن معنى الإيمان والإسلام والإحسان وغير ذلك . وليس في هذا خروج عن النهج السَّويِّ لعلم ابن عمر مدى ترابط هذه الأصول الثلاثة ، والواجب معرفتها جميعا .
ودليل فعل ابن عمر من السنة : ما جاء عن أبي هريرة قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هو الطهور ماؤه الحل ميتته"(19).
(4) السؤال عن العلم النافع في الدنيا والآخرة ، وترك السؤال عما لا فائدة فيه .
(5) قال القاضي عياض (20):" وفي جملة حديث السائل من الفقه ... أمر العالم الناس سؤاله عما يحتاجون إليه ليُبيّنه لهم ، وأنهم إن لم يحسنوا السؤال ابتدأ التعليم من قبل نفسه ؛ كما فعل جبريل ، أو يجعل من يسأل فيجيب بما يلزمهم علمه ".
(6) التعليم عن طريق السؤال : طريقة السؤال والجواب، من الأساليب التربوية الناجحة قديماً وحديثاً، وقد تكررت في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في كثير من الأحاديث النبوية؛ لما فيها من لفت انتباه السامعين وإعداد أذهانهم لتلقي الجواب الصحيح.
كما ينبغي لمن حضر مجلس علم، ورأى أن الحاضرين بحاجة إلى معرفة مسألة ما، ولم يسأل عنها أحد، أن يسأل هو عنها ـ وإن كان هو يعلمها ـ لينتفع أهل المجلس بالجواب.
فقد كان غرض جبريلَ عليه السلام من أسئلته هذه أن يتعلم المسلمون ، وهذا ما بينه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أتاكم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ .
وفي رواية أبي هريرة عند البخاري ومسلم: هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا.
وهذا الأسلوب يعتبر من أبرز الأساليب التي اتبعها سيدُنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعليم الصحابة الكرام رضي الله عنهم .
ونضرب مثالا : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار "(21).
مثالٌ آخر : وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" تدرون من المسلم ؟" قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال :" من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قال :" تدرون من المؤمن ؟" قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال :" من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم ، والمهاجر من هجر السوء ؛ فاجتنبه "(22).
مثالٌ آخر : وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وهي مثل المسلم حدثوني ما هي ؟ فوقع الناس في شجر البادية ، ووقع في نفسي أنها النخلة ، قال عبد الله فاستحييت ، فقالوا : يا رسول الله أخبرنا بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي النخلة . قال عبد الله : فحدثت أبي بما وقع في نفسي ، فقال : لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا "(23).
(7) وفي قوله " حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه " دليل على لزوم تأدب المتعلم بين يدي من يتعلم منه .
(
وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل ؛ لصنيعه المتقدم في جلوسه ، ولتخطيه الرقاب حتى جلس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولكونه ناداه باسمه مادا صوته .
(9) وفيه أنه ينبغى للعالم أن يرفق بالسائل ويُدْنِيه منه ليتمكن من سؤاله غير هائب ولا منقبض ، قاله النووي (28). قال الحافظ ابن حجر في الفتح (24): ثبت في رواية أبي فروة(25) ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط فقال : السلام عليك يا محمد , فرد عليه السلام . قال : أدنو يا محمد ؟ قال : أدن . فما زال يقول أدنو مرارا ويقول له أدن . ونحوه في رواية عطاء بن السائب عن يحيى بن يعمر (26) لكن قال : السلام عليك يا رسول الله . وفي رواية مطر الوراق (27) فقال : يا رسول الله أدنو منك ؟ قال : أدنو ..
(10) وقال النووي أيضا (28):" وينبغى للسائل حسن الأدب بين يدي معلمه ، وأن يرفق في سؤاله .
قلت : يشهد لهذا ما في رواية عطاء بن السائب عن يحيى بن يعمر عند المروزي (29), فقال أدنو يا رسول الله قال نعم فدنا ثم قام فتعجبنا لتوقيره رسول الله ثم قال أدنو يا رسول الله قال نعم فدنا حتى وضع فخذه على فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي رواية علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن ابن عمر عند أحمد (30): " ما رأينا رجلا أشد توقيرا لرسول الله من هذا ".
(11-14) في هذا الحديث دليل على مشروعية الصلاة والصوم والزكاة والحج .
(15)وفي قوله :"وتصوم رمضان" دليل على جواز قول رمضان من غير إضافة شهر إليه(31).
(16-21) وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره حُلْوِه ومُرِّه من الله تعالى . وقد بيّن الحافظ ابن حجر معانيها في الفتح (31)، فكان من جملة ما قال :" والإيمان بالله هو التصديق بوجوده وأنه متصف بصفات الكمال منـزّه عن صفات النقص . والإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كما وصفهم الله تعالى { عباد مكرمون }(32) وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظرا للترتيب الواقع , لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول .
والإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ما تضمنته حق .
والإيمان بالرسل التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله .
وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة , والمراد بالإيمان به والتصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار .
وأما الإيمان بالقدر فالمراد به أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها , ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد , فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته , هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية , وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين , إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة , وكان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني ".
(22) قوله : ( وبلقائه ) قيل : المراد باللقاء رؤية الله , ذكره الخطابي . وتعقبه النووي بأن أحدا لا يقطع لنفسه برؤية الله , فإنها مختصة بمن مات مؤمنا , والمرء لا يدري بم يختم له , فكيف يكون ذلك من شروط الإيمان ؟ وأجيب بأن المراد الإيمان بأن ذلك حق في نفس الأمر , وهذا من الأدلة القوية لأهل السنة في إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة إذ جعلت من قواعد الإيمان (31).
(23) وكأن الحكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر البعث الإشارة إلى أنه نوع آخر مما يؤمن به , لأن البعث سيوجد بعد , وما ذكر قبله موجود الآن , وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار , ولهذا كثر تكراره في القرآن (31).
(24) وهكذا الحكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر القدر كأنها إشارة إلى ما يقع فيه من الاختلاف , فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن , ثم قرره بالإبدال بقوله " خيره وشره " ، ثم زاده تأكيدا بقوله في رواية أخرى " من الله " (31).
(25) ودل الإجمال في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل , إلا من ثبت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين (31).
(26) ظاهر السياق يقتضي أن الإيمان لا يطلق إلا على من صدق بجميع ما ذكر (31).
فلا يصح إيمان من فاته أحدُ هذه الأركان ، والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما سأله جبريل عن معنى الإيمان لم يجتزئ بذكر بعضها ، وإنما ذكرها أجمع ، وفي هذا دليل على كُليّة الإيمان ؛ أي أنه كلٌّ لا يتجزأ .
يعنى أن من آمن بالله ، ولم يؤمن بالرسل ولم يصدقهم ، لا يصح إيمانه ولا يعتبر مؤمنا.
ومن آمن بالملائكة ، ولم يؤمن باليوم الآخر ، لا يعتبر مؤمنا .
وإنما يكون مؤمنا إذا جمع الإيمان بالأركان كلها .
(27) قال الحافظ ابن حجر (31):" جاء في رواية البخاري : السؤال عن الإيمان أولا ؛ قيل : قدم السؤال عن الإيمان لأنه الأصل , وثنى بالإسلام لأنه يظهر مصداق الدعوى , وثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما .
وقيل في رواية مسلم : بدأ بالإسلام ؛ لأنه بالأمر الظاهر وثنى بالإيمان لأنه بالأمر الباطن . ورجح هذا الطيبي لما فيه من الترقي (31).
قال الحافظ :" ولا شك أن القصة واحدة اختلف الرواة في تأديتها , وليس في السياق ترتيب ، ويدل عليه رواية مطر الوراق [ أحد رواته ] فإنه بدأ بالإسلام وثنى بالإحسان وثلث بالإيمان , فالحق أن الواقع أمر واحد , والتقديم والتأخير وقع من الرواة . والله أعلم .
(28) في الحديث دلالة على وجوب إخلاص العمل ، وأن نبتغي به وجه الله تعالى ، ويؤخذ من بيانه لمعنى الإحسان :" أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ".
(29) وفي قوله :" أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ " بيان للزوم مراعاة آداب العبودية لله تعالى . قال النووي : معناه أنك إنما تراعى الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك , لكونه يراك لا لكونك تراه فهو دائما يراك , فأحسن عبادته وإن لم تره , فتقدير الحديث : فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك . قال : وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين , وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين , وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنـز العارفين ودأب الصالحين , وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم , وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم , فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته ؟
(30) قال الحافظ ابن حجر (31): ودل سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة , وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فذاك لدليل آخر , وقد صرح مسلم في روايته من حديث أبي أمامة بقوله صلى الله عليه وسلم :" واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا".
قلت : هكذا وقع عنده عن أبي أمامة ، وما في كتاب مسلم (2931) إنما هو عن عمر بن ثابت الأنصاري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ، ولفظه :" قال تَعلَّموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت " وإنما هو من حديث أبي أمامة عند ابن خزيمة في صحيحه ، وابن ماجه في سننه : في الفتن برقم (4077) ،ورواه من حديث عمر بن ثابت الترمذي في الفتن (2235)، وأحمد في المسند برقم (23160). ورواه أحمد في المسند برقم (22258) وأبو داود في الفتن باب خروج الدجال برقم (4320) ، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
ولقد تتبعت مرويات أبي أمامة في صحيح الإمام مسلم فوجدتها ستة أحاديث وليس فيها هذا الذي ذكره الإمام الحافظ .
ولعل الحافظ ثبت عنده أن هذا المبهم هو أبو أمامة .
وغالب ظنّي أن ما ذَكره هو في إحدى نسخ الصحيح التي يرويها الحافظ بإسناده إلى الإمام مسلم . وإنما أرجح هذا ؛ لأن الحافظ عزى الحديث إلى صحيح مسلم مرارا ، فقد قال عند شرح الحديث رقم (4855) :" ووقع في صحيح مسلم ما يؤيد هذه التفرقة في حديث مرفوع ، فيه :[ واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ] وأخرجه ابن خزيمة أيضا من حديث أبي أمامة ومن حديث عبادة بن الصامت ".
وقال عند شرح الحديث رقم (6507) :" وقد ورد بأصرح من هذا في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة ـ مرفوعا ، في حديث طويل ـ وفيه :[ واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ] .
وقال عند شرح الحديث رقم (6574) :" وقد أخرج مسلم من حديث أبي أمامة ، فذكره .
وقال عند شرح الحديث رقم (7068) :" وقد ثبت في صحيح مسلم في حديث آخر [ واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ] .
فليس هذا من قبيل الوهم .
(31) وفي الحديث وجوب مراقبة الله تعالى .
قال تعالى { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه }(33).
وقال جل ثناؤه : { إن الله كان عليكم رقيبا }(34) .
وقال تقدست أسماؤه { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْءَانٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }(35) .
(32) في قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الساعة : مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " خفاء وقت الساعة عن جميع الخلق ، فعلمها عند الله ، وهي من جملة ما استأثر الله بعلمه ، ومفاتح الغيب خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللَّهُ تعالى ، قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(36) .
وجاء عن ابن مسعود قال : أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم علم كل شيء سوى هذه الخمس (37) . وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس {إن الله عنده علم الساعة ، وينـزل الغيث ، ويعلم ما في الأرحام ، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير }(38).
وليس خفاؤها بنقص في علم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد أوتى نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم الأولين وعلم الآخرين . وإذا كان آدم عليه السلام قد عُلم أسماء جميع الأشياء كما في قوله تعالى { وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة ...} (39) فإن سيدَنا محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد علمه الله مُسَمَّيَاتِها . وصدق البوصيري عندما قال :
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الدِّيَمِ (39أ)
(33) في قوله " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " دليل على جواز التعريض في الكلام ؛ فقد عدل عن قوله لست بأعلم بها منك إلى لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين , أي أن كل مسئول وكل سائل فهو كذلك (31).
(34) وفيه مُستند لمن قال ( إن أقل الجمع اثنان )(39ب) فإنه لما قَالَ له جبريل عليه السلام : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ :" مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا " وذكر له أمارتين ، وهما :" إِذَا وَلَدَتْ الأَمَةُ رَبَّهَا ، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ ".
والصحيح أنّ المذكور من الأشراط ثلاثة . قال الحافظ ابن حجر :" وإنما بعض الرواة اقتصر على اثنين منها لأنه هنا ذكر الولادة والتطاول , وفي التفسير ذكر الولادة وترؤس الحفاة , وفي رواية محمد بن بشر التي أخرج مسلم إسنادها وساق ابن خزيمة لفظها عن أبي حيان ذكر الثلاثة , وكذا في مستخرج الإسماعيلي من طريق ابن علية , وكذا ذكرها عمارة بن القعقاع , ووقع مثل ذلك في حديث عمر , ففي رواية كهمس ذكر الولادة والتطاول فقط ووافقه عثمان بن غياث , وفي رواية سليمان التيمي ذكر الثلاثة ووافقه عطاء الخراساني , وكذا ذكرت في حديث ابن عباس وأبي عامر " (31).
(