سَبْعٌ وسبعُون فائدة شرعية وتربوية من حديث واحد
بسم الله الرحمن الرحيم
دعونا نتفيؤ معاً ظلال حديث شريف من معين النبوة الصادقة ؛ يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيةٌ من أصحابه الكرام رضي الله عنهم ، وهم : عمر بن الخطاب ، وولده عبدالله ، وأبو هريرة ، وأبو ذر الغِفاري ، وعبدُالله بن عباس ، وأنس بن مالك ، وأبو عامر الأشعري ، وجرير بن عبد الله البجلي ، وعنهم خلق كثير ، حتى عدّه صاحب " نظم المتناثر "(1) من المتواتر .
هذا الحديث ، هو حديث سؤال جبريل عليه السلام النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان .
وهو حديث عظيم القدر ، غزير الفائدة ، ويعتبر من جوامع كَلِمِه عليه الصلاة والسلام . وجوامع الكلم : هي الكلمات اليسيرة التي تنطوي على المعاني الكثيرة العظيمة . مثل هذا الحديث الذي نحن بصدده ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة "(2) ، وقوله " احفظ الله يحفظك "(3)، وقوله " اتق الله حيثما كنت "(4)، وقوله " الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات "(5)، وقوله " إذا لم تستح فاصنع ما شئت"(6)، وقوله " إن الله كتب الإحسان على كل شيء"(7)، وقوله " إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبا "(
، وقوله " حفت الجنّة بالمكاره والنار بالشهوات"(9)، وقوله " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "(10)، وقوله " إنما الأعمال بالنيّات "(11)، وقوله " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ "(12)، وقوله " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "(13)، وقوله " لا ضرر ولا ضرار "(14)، وقوله " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "(15) ، وقوله " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "(16) ...وغيرها .
ومثل هذه الأحاديث جاءت الإشارة إليها في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :" فضلت على الأنبياء بست ؛ أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون "(17).
وقد جمع الإمام النووي منها اثنين وأربعين حديثا في جزء سمّي باسمه " الأربعون النووية " وله شرح عليه ، وزاد الحافظ ابن رجب الحنبلي عليها ثمانية أحاديث ، ثم شرحها في كتاب رائع أسماه " جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلِم ".
ولنصخي أولا ـ بأسماع قلوبنا ـ إلى الخليفة العادل أمير المؤمنين الفاروقِ عمرَ وهو يروي لنا هذا الحديث العظيم الذي يعتبر من أصول الإسلام :
أخرج الإمام مسلمٌ في صحيحه(17أ) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد ! أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا "، قال : صدقت ، قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال :" أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " قال : صدقت ، قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال :" أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال :" ما المسئول عنها بأعلم من السائل " قال : فأخبرني عن أمارتها ؟ قال :" أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ؛ يتطاولون في البنيان "، قال : ثم انطلق ، فلبثت مليا ، ثم قال لي :" يا عمر أتدري من السائل ؟" قلت : الله ورسوله أعلم ، قال :" فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ".
ولنستمع الآن إلى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ـ وهو ما رواه الإمام البخاري في الإيمان رقم (50) وفي التفسير رقم (4777) ، ومسلم في الإيمان رقم (9) عَنْهُ ـ قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس ، فأتاه جبريل ، فقال : ما الإيمان ؟ قال :" الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، وبلقائه ، ورسله ، وتؤمن بالبعث "، قال : ما الإسلام ؟ قال :" الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان "، قال : ما الإحسان ؟ قال :" أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "، قال : متى الساعة ؟ قال :" ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها ، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان ، في خمس لا يعلمهن إلا الله "،ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله عنده علم الساعة } الآية ، ثم أدبر ، فقال :" ردوه " فلم يروا شيئا ، فقال :" هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم ".
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ ـ يعني البخاري ـ : جَعَلَ ذَلِك كُلَّهُ مِنْ الإِيمَانِ .